اهم الوظائف

الرئيسية حيثيات حكم إخلاء التحرير وفض اعتصام الميدان بالقوة

حيثيات حكم إخلاء التحرير وفض اعتصام الميدان بالقوة

أكمل المقال
 حيثيات حكم هيئة المفوضين بمحكمة القضاء الإداري، التي أوصت فيه بإلزام إخلاء ميدان التحرير بالقوة، وفض أي الاعتصام به، ومواجهة محاولات إغلاقه وتعطيل السير، في التقرير التالي:
تقرير مفوض الدولة في الدعوى رقم (9575) لسنة 66 القضائية .المُقامة من/ محمد عبد المُتعال أحمد.
ضد:
رئيس المجلس الأعلى للقوّات المُسلّحـة (بصفته).
رئيس مجلس الوزراء (بصفته).
وزيــر الداخلية (بصفته).
محافظ القاهرة (بصفته).
مدير أمن القاهرة (بصفته).
واقعـــــــات الدعـــــــوى
أقام المدعي دعواه الماثلة بمُوجب صحيفة مُوقعة من محامي مقبول ومُعلنة قانوناً أُودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 1/12/2011 طلب في ختامها الحكم:- بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن إخلاء المُعتصمين بميدان التحرير وفتحه لسير السيارات والمارّة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع غلقه مُجدّداً وتعطيل السير فيه مُستقبلاً .
وذكر المدعي شرحاً لدعواه أنه، بتاريخ 18/11/2011 تمّ الدعوة من بعض القوى السياسية لمُظاهرة مليونية بميدان التحرير للاعتراض علي بعض الأوضاع السياسية الراهنة بالبلاد، وهو أمر شائع حدوثه في الفترة الأخيرة، وقد تحمّل الجميع الخسائر الجمّة لهذه التظاهرات المليونية، باعتبار أنها عَرَض زائل سينتهي بانتهاء الفترة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد فور اكتمال المُؤسسات الدستورية، ولكن ما حدث يُعدّ أمر بشع يُندي له الجبين، ففي اليوم التالي لهذه التظاهرات أصرّ بعض المُواطنين علي الاعتصام بميدان التحرير وغلق مداخله أمام سير السيارات والمارّة، وحدث علي إثر هذا مُصادمات دامية بينهم وبين القوّات المُسلّحة وقوّات الشُرطة لمُحاولة إخلائهم من ميدان التحرير وفتحه لعبور السيارات والمارّة، وسقط خلال المُواجهات الكثير من الضحايا، وسالت الدماء المصرية الذكية من الجانبين، وانسحبت قوّات الشُرطة من الميدان وتركته لسيطرة المُعتصمين به.
وأضاف المدعي قائلاً، أنه بعد ذلك حدثت مُحاولات تخريبية للهجوم علي المُؤسسات السيادية للبلاد واقتحامها، وما يتبعه ذلك من انهيار للدولة المصرية والأمن والنظام العام فيها، ولا زال بعض المُواطنين يعتصمون بميدان التحرير، ولا يُدخلون إلي الميدان إلا من يُوافقهم الرأي ومن يُخالفهم يمنعونه من الدخول كما لو كان الميدان ملك خاص لهم وليس مرفق عام أو طريق عام، ورغم أن هذا الاعتصام يشل حركة المرور بالقاهرة الكُبرى، ويُغلق وسط البلد، ويُعطّل سير المُواصلات والمارّة، ويُؤثر سلباً علي الحركة التُجارية بمنطقة وسط القاهرة، فضلاً عن تعطيل الكثير من المرافق الخدمية وتعطيل العمل بمُجمّع التحرير، وحيث إن حق التظاهر مكفول بشرط عدم المساس بالحقوق الشخصية للآخرين أو الاعتداء عليها، وعدم تعطيل المرافق العامة والإضرار بالملايين من المُواطنين، لمصالح سياسية أو غير سياسية خاصّة بمئات أو الآلاف أو حتى مئات الآلاف، وهو شيء أبعد ما يكون عن المشروعية، ويُحوّل مُمارسة هذا الحق إلي جريمة، فحريّة الإنسان تنتهي حيث يبدأ حق الآخرين .
وانتهي المدعي إلي القول بأنه نتج عن تلك التظاهرات المليونية والاعتصام بميدان التحرير أنها أصبحت سُنّة سيّئة لكل أقاليم مصر، وذلك بقطع الطُرق السريعة وطُرق السكك الحديدية تحت ستار حق التظاهر المشروع، دون النظر أن هذه الأفعال تُعدّ جرائم طبقاً للقانون، وحيث إنه يجب علي الدولة مُمثلة في مُؤسساتها الدستورية أن تُعمِل قوّة القانون الرادعة وليست قوّة قنابل الغاز، وتتخذ المجال المشروع طبقاً للقانون لفضّ هذه التجمّعات والاعتصامات ومُعاقبة المسئول عنها، كما فعلت الحكومة الأمريكية حيث اعتصم الآلاف بمنطقة (وول استريت) لأسباب تتعلّق بالعدالة الاجتماعية، فما كان من الحكومة الأمريكية إلا أنها طلبت من المحكمة إصدار حُكم بإخلاء المنطقة وتفريق المُعتصمين لاعتدائهم علي حُريّات الآخرين وعلي الأخص حُريّتهم في الحركة والتنقّل، وما كان من المحكمة إلا أن أصدرت حُكماً بذلك والذي نفّذته السُلطات مُستظلّة بمظلّة سيادة القانون، ومن اعترض علي فضّ الاعتصام تمّ إلقاء القبض عليه وتقديمه للمُحاكمة، وهو ما يتعيّن هلي السُلطات المصرية إعماله بإخلاء ميدان التحرير وفضّ الاعتصام به، إعلاءً لهيبة الدولة سيادة القانون فيها، وخلص في ختام صحيفة دعواه إلى طلب الحكم بطلباته سالفة البيان .
وتدوُول نظر الدعوى أمام المحكمة أثناء نظرها للشقّ العاجل حيث جري تحضيرها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 17/4/2012 قرّرت المحكمة:" إحالة الدعوى إلي هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها " .
ونفاذاً للقرار المُتقدّم أُحيلت الدعوى إلي هيئة مفوضي الدولة، وبُناءً عليه أُعد التقرير الماثل بالرأي القانوني في الدعوى .
الــــــــــرأي القانـــــــــونـــــــــي
ومن حيث إن المدعي يهدف - وفقاً للتكييف القانوني الصحيح لحقيقة طلباته في ضوء وقائع الدعوى ومُلابساتها - إلى طلب الحكم:- بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار الجهة الإدارية السلبي بالامتناع عن إخلاء ميدان التحرير من المُعتصمين وفضّ الاعتصام به وفتحه لمرور السيارات والمارّة، وما يترتب علي ذلك من آثار أهمّها اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع غلقه مُجدّداً وتعطيل السير فيه مُستقبلاً، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات .
ومن حيث إن المادة (72) من قانون المُرافعات المدنية والتُجارية رقم (13) لسنة 1968 تنص على أن:" في اليوم المُعيّن لنظر الدعوى يحضر الخصوم بأنفسهم أو يحضر عنهم من يوكلونه من المحامين، وللمحكمة أن تقبل في النيابة عنهم من يوكلونه من أزواجهم أو أقاربهم أو أصهارهم إلى الدرجة الثالثة " .
وتنص المادة ( 73) من ذات القانون على أن:" يجب على الوكيل أن ُيقرّر حضوره عن موكله وأن يُثبت وكالته عنه وفقًا لأحكام قانون المُحاماة، وللمحكمة عند الضرورة أن تُرخّص للوكيل في إثبات وكالته في ميعاد تُحدده على أن يتمّ ذلك في جلسة المُرافعة على الأكثر " .
وتنص المادة (75 ) على أن:" التوكيل بالخصومة يُخوّل الوكيل سُلطة القيام بالأعمال والإجراءات اللازمة لرفع الدعوى ومُتابعتها أو الدفاع فيها ....................................................... " .
ومن حيث إن المادة ( 57 ) من قانون المُحاماة رقم (17) لسنة 1983تنص على أن:" لا يلتزم المحامى الذي يحضر عن موكله بمُقتضى توكيل عام أن يُودع التوكيل بملف الدعوى ويُكتفي بالإطلاع عليه وإثبات رقمه وتاريخه والجهة المُحرّر أمامها بمحضر الجلـــسة ".
وقد استقرّ قضاء المحكمة الإدارية العليا ـ في ضوء مفاد هذه النصوص ـ علي أنه:" لئن كان ليس بلازم علي المحامي إثبات وكالته عن المدعي عند إيداعه صحيفة الدعوى بسكرتارية المحكمة، إلا إنه يتعيّن عليه عند حضور الجلسة إثبات وكالته وإيداع سند الوكالة إذا كان توكيلاً خاصاً, وفي حالة التوكيل العام يُكتفي بإطلاع المحكمة عليه وإثبات رقمه وتاريخه والجهة المُحرّر أمامها بمحضر الجلسة .
ومن حيث إنه متى كان ذلك كذلك، فإن للخصم الآخر أن يُطالبه بإثبات وكالته حتى لا يُجبر على الاستمرار في السير في إجراءات مُهدّدة بالإلغاء، كما أن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تُطالب من يمثل أمامها بتقديم الدليل على وكالته، على أن يتمّ ذلك في جلسة المُرافعة على الأكثر، كما يجب عليها في جميع الأحوال أن تتحقّق من أن سندات توكيل المحامي في الدعوى مُودعة أو ثابتة بمُرفقاتها ـ فإذا تبيّن لها أنه حتى تاريخ حجز الدعوى للحُكم لم يُقدّم المحامي أو يُثبت سند وكالته تعيّن الحُكم بعدم قبول الدعوى شكلاً ..........................." .
[ في هذا المعني حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4447 لسنة 50 ق . عليا - تاريخ الجلسة 25/7/2006 - مُشار إليه بموسوعة أحكام المحكمة الإدارية العليا في الفترة من 1965 حتى 2008 التي تضمنتها اسطوانات نادى قضاة مجلس الدولة - إعداد / سعيد محمود الديب المحامى ]
ومتى كان ما تقدّم، ولمّا كان الحاضر عن المدعي قد أقام الدعوى الماثلة بصحيفة مُوقعة منه بهذه الصفة ولم يُودع سند وكالته - إذا كان توكيلاً خاصاً - ولم يُقدّمه للإطلاع عليه وإثبات رقمه وتاريخه والجهة المُحرّر أمامها بمحضر الجلسة - إذا كان سند وكالته توكيلاً عاماً - وإذ لم تكشف أوراق الدعوى عن أنه قد صدر توكيلاً من صاحب الشأن المذكور لذلك المحامى برفع الدعوى نيابةً عنه، ومن ثمّ فليس لهذا المحامى أن يطلب قضاء بحق على غير إرادة المرفوعة باسمه الدعوى أو أن يحلّ محلّه في هذه الإرادة بتنصيب نفسه مكانه في المُطالبة به دون رضاءه، الأمر الذي يتعيّن معه التقرير للقضاء بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم تقديم أو إثبات سند الوكالة، وإلزام رافعها المصروفات.
وبصفة احتياطية، وعلى فرض أن يُقدّم الحاضر عن المدعي ما يُثبت سند وكالته قبل حجز الدعوى للحكم:-
ومن حيث إن المجلس الأعلى للقوّات المُسلّحة قد انزوى عن إدارة شئون البلاد، وذلك بعد انتخاب السيد الأستاذ الدكتور/ محمد مُرسي رئيساً للجمهورية، وتقلّده المنصب ومُمارسة مهامه اعتباراً من 1/7/2012، ومن ثمّ لم يعد رئيس المجلس الأعلى للقوّات المُسلّحة صاحب صفة في الدعوى الماثلة، الأمر الذي يتعيّن معه عدم قبول الدعوى في مُواجهته وإخراجه منها بلا مصروفات، مع الاكتفاء بذكر ذلك في الأسباب دون المنطوق .
واستكمالاً لبحث شكل الدعوى:- فإنها تُعدّ من دعاوى إلغاء القرارات السلبية والتي لا تتقيّد في رفعها بالمُواعيد والإجراءات الخاصة بدعوى الإلغاء المنصوص عليها قانوناً، طالما ظّلت حالة الامتناع قائمة ومُستمرّة، كما أنها من الدعاوى المُستثناة من العرض علي لجان التوفيق في المُنازعات لرفعها بصفة مُستعجلة - طبقاً لنص المادة (11) من القانون رقم (7) لسنة 2000 - وإذ استوفت سائر أوضاعها الشكلية الأخرى المُقررة قانوناً، لذا يتعيّن التقرير للقضاء بقبولها شكلاً.
ومن حيث إن التعرُّض لموضوع الدعوي يغني بحسب الأصل عن بحث الشقّ العاجل منها .
ومن حيث إنه عن موضوع الدعوى:-
فإن المادة (5) من دستور جمهورية مصر العربية الجديد النافذ في 25/12/2012 تنص على أن:" السيادة للشّعب يُمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السُلطات؛ وذلك علي النحو المُبيّن بالدستور " .
كما تنص المادة (6) من ذات الدستور علي أن:" يقوم النظام السياسي علي مبادئ الديمقراطية والشورى، والمُواطنة التي تُسوّي بين جميع المُواطنين في الحقوق والواجبات العامة، ................، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وحُرّيّاته؛ وذلك كُلّه علي النحو المُبيّن في الدستور ...................................................... " .
وتنص المادة (8) على أن:" تكفل الدولة وسائل تحقيق العدل والمُساواة والحُرّيّة، وتلتزم بتيسير سُبُل التراحم والتكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المُجتمع، وتضمن حماية الأنفُس والأعراض والأموال، وتعمل علي تحقيق حدّ الكفاية لجميع المُواطنين؛ وذلك كُله في حدود القانون " .
وتنص المادة (9) علي أن:" تلتزم الدولة بتوفير الأمن والطُمأنينة وتكافُؤ الفُرص لجميع المُواطنين، دون تمييز " .
وتنص المادة (22) على أن:" للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجب وطني علي الدولة والمُجتمع " .
وتنص المادة (33) علي أن:" المُواطنون لدى القانون سواء؛ وهم مُتساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك " .
وتنص المادة (34) علي أن:" الحُرّيّة الشخصية حق طبيعي؛ وهى مصونة لا تُمسّ .
وتنص المادة (40) علي أن:" الحياة الآمنة حق تكفله الدولة لكل مُقيم علي أراضيها، ويحمى القانون الإنسان ممّا يّهدّده من ظواهر إجرامية " .
وتنص المادة (42) علي أن:" حُرّيّة التنقُّل والإقامة والهجرة مكفولة .................................... " .
وتنص المادة (50) علي أن:" للمُواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، غير حاملين سلاحاً، ويكون ذلك بُناءً علي إخطار يُنظّمه القانون.
وحق الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار، ولا يجوز لرجال الأمن حضورها أو التنصُّت عليها " .
وتنص المادة (74) علي أن:" سيادة القانون أساس الحُكم في الدولة .......................................... " .
وتنص المادة (81) علي أن:" الحقوق والحُرّيّات اللصيقة بشخص المُواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً.
ولا يجوز لأي قانون يُنظم مُمارسة الحقوق والحُرّيّات أن يُقيّدها بما يمسّ أصلها وجوهرها.
وتُمارس الحقوق والحُرّيّات بما لا يتعارض مع المُقوّمات الواردة في باب الدولة والمُجتمع بهذا الدستور " .
ومن حيث إن المادة (1) من القانون رقم (14) لسنــة 1923 بشأن تقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة وبالمُظاهرات في الطُرق العمومية تنص علي أن:" الاجتماعات العامة حُرّة على الوجه المُقرّر في هذا القانون " .
وتنص المادة (2) من ذات القانون علي أن:" يجب على من يُريد تنظيم اجتماع عام أن يُخطر بذلك المُحافظة أو المُديرية، فإذا كان يُراد عقد الاجتماع خارج مقرّ المُحافظة أو المُديرية، أخطر سُلطة البوليس في المركز ويكون الإخطار قبل عقد الاجتماع بثلاثة أيام على الأقل ..................................... " .
وتنص المادة (3) علي أن:" يجب أن يكون الإخطار شاملاً لبيان الزمان والمكان المُحدّديَن للاجتماع ولبيان موضوعه .............................................................................................................................. " .
وتنص المادة (4) علي أن:" يجوز للمُحافظ أو المُدير أو لسُلطة البوليس في المراكز منع الاجتماع إذا رأَواْ أن من شأنه أن يترتب عليه اضطراب في النظام أو الأمن العام، بسبب الغاية منه أو بسبب ظروف الزمان والمكان المُلابسة له أو بأي سبب خطير غير ذلك .
ويُبلغ إعلان المنع إلى مُنظمي الاجتماع أو إلى أحدهم بأسرع ما يُستطاع وقبل الموعد المضروب للاجتماع بست ساعات على الأقل .
ويُعلّق هذا الإعلان على باب المُحافظة أو المُديرية أو المركز ويُنشر في الصُحف المحلية إذا تيسّر ذلك .
ويجوز لمُنظمي الاجتماع أن يتظلموا من أمر المنع إلى وزير الداخلية، فإذا كان الأمر صادراً من سُلطة بوليس المركز فيُقدّم التظلم إلى المُدير .................................................. " .
وتنص المادة (6) علي أن:" يجب أن يكون للاجتماع لجنة مُؤلّفة من رئيس ومن اثنين من الأعضاء على الأقل، وعلى هذه اللجنة المُحافظة على النظام ومنع كل خروج على القوانين، كما أن عليها أن تحفظ للاجتماع صفته المُبيّنة في الإخطار، وأن تمنع كل خطاب يُخالف النظام العام أو الآداب أو يشتمل على تحريض على الجرائم ............... " .
وتنص المادة (7) علي أن:" للبوليس دائماً الحق في حضور الاجتماع لحفظ النظام والأمن ولمنع كل انتهاك لحُرمة القانون ويكون من حقه أن يختار المكان الذي يستقرّ فيه .
ويجوز له حلّ الاجتماع في الأحوال الآتية:
(1) إذا لم تُؤلف لجنة للاجتماع أو إذا لم تقم اللجنة بوظيفتها،
(2) إذا خرج الاجتماع عن الصفة المُعيّنة له في الإخطار،
(3) إذا أُلقيت في الاجتماع خُطب أو حدث صياح أو أُنشدت أناشيد ممّا يتضمن الدعوة إلى الفتنة أو وقعت فيه أعمال أُخرى من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين،
(4) إذا وقعت جرائم أُخرى أثناء الاجتماع،
(5) إذا وقع اضطّراب شديد " .
وتنص المادة (8) والمُضافة بالقانون رقم (28) لسنة 1929علي أن:" يُعتبر من الاجتماعات العامة فيما يتعلّق بتطبيق هذا القانون كل اجتماع في مكان أو محل عام أو خاص يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص ليس بيدهم دعوة شخصية فردية .
على أن الاجتماع يُعتبر عاماً إذا رأى المحُافظ أو المُدير أو سُلطة البوليس في المركز أن الاجتماع بسبب موضوعه أو عدد الدعوات أو طريقة توزيعها أو بسبب أي ظرف آخر ليس له الصفة الحقيقية الصحيحة لاجتماع خاص .
وفي هذه الحالة يجب عليه أن يُخطر الداعي إلى الاجتماع أو المُنظم له بأن يقوم بالواجبات التي فرضها هذا القانون ................................................................. " .
وتنص المادة (9) علي أن:" تسري أحكام المادة الأولى والفقرة الأولى من المادة الثانية والفقرتان الأولى والثالثة من المادة الثالثة والفقرات الأربع الأولى من المادة الرابعة والفقرتان الأولى والثانية (2 و3 و4 و5) من المادة السابعة على كل أنواع الاجتماعات والمواكب والمُظاهرات التي تُقام أو تسير في الطريق أو الميادين العامة والتي يكون الغرض منها سياسياً .
ويجوز في كل حين للسُلطات المُبيّنة في المادة الثانية أن تُقرّر مكان الاجتماع أو خطة سير الموكب أو المُظاهرة على أن تُعلن المُنظمين بذلك طبقاً لحُكم المادة الرابعة ....................................... " .
وتنص المادة (10) علي أن:" لا يترتب على أي نص من نصوص هذا القانون تقييد ما للبوليس من الحق في تفريق كل احتشاد أو تجمهر من شأنه أن يجعل الأمن العام في خطر أو تقييد حقه في تأمين حُرّيّة المرور في الطُرق والميادين العامة " .
وتنص المادة (12) علي أن:" لوزير الداخلية أن يُصدر بقرار منه الأحكام التي يقتضيها تنفيذ هذا القانون " .
ومن حيث إن المادة (1) من القانون رقم (140) لسنة 1956 في شأن إشغال الطرق العامة تنص على أن :" تسرى أحكام هذا القانون على الميادين والطُرق العامة على اختلاف أنواعها أو صفتها الداخلة في حدود البلاد التي بها مجالس بلدية ".
وتنص المادة (2) من القانون سالف الذكر على أن:" لا يجوز بغير ترخيص من السُلطة المُختصة إشغال الطريق العام في اتجاه أُفقي أو رأسي وعلى الأخص ما يأتي.
وتنص المادة (9) علي أن:" للسُلطة المُختصة وفقاً لمُقتضيات التنظيم أو الأمن العام أو الصحة أو حركة المرور أو الآداب العامة أو جمال تنسيق المدينة أن تُصدر قراراً بإلغاء الترخيص أو بإنقاص مُدّته أو المساحة المّرخص في أشغالها .............................. وعلى المُرخص له إزالة الأشغال في الأجل الذي تُحدّده السُلطة المُختصة ................. وإلا اُتّبعت في شأنه أحكام المادة 12 " .
وتنص المادة (12/ فقرة 2) والمُضافة بالقانون رقم (174) لسنة 1960 علي أن:" إذا حدث إشغال بغير ترخيص جاز للسُلطة المُختصة إزالته بالطريق الإداري على نفقة المُخالف إذا كان هذا الإشغال مُخلّاً بمُقتضيات التنظيم أو الأمن العام أو الصحة أو حركة المرور أو الآداب العامة أو جمال تنسيق المدينة ................................... " .
ومن حيث إن المادة (26) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم (43) لسنة 1979 والمُستبدلة بالقانون رقم (145) لسنة 1988 تنص على أن:" يُعتبر المُحافظ مُمثلاً للسُلطة التنفيذية بالمُحافظة، ويُشرف على تنفيذ السياسة العامة للدولة وعلى مرافق الخدمات والإنتاج في نطاق المُحافظة ........................................
كما يكون مسئولاً عن الأمن والأخلاق والقيَم العامة بالمُحافظة، يُعاونه في ذلك مدير الأمن في إطار السياسة التي يضعها وزير الداخلية، وعلى مُدير الأمن أن يبحث مع المُحافظ الخطط الخاصة بالحفاظ على أمن المُحافظة لاعتمادها، ويلتزم مُدير الأمن بإخطاره فوراً بالحوادث ذات الأهمية الخاصة لاتخاذ التدابير اللازمة في هذا الشأن بالاتفاق بينهما.
وللمُحافظ أن يتخّذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أملاك الدولة العامة والخاصة وإزالة ما يقع عليها من تعدّيّات بالطريق الإداري " .
كما تنص المادة (27) من القانون سالف الذكر والمُستبدلة بالقانون رقم (50) لسنة 1981 على أن:" يتولّى المُحافظ بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التي تدخل في اختصاص وحدات الإدارة المحلية وفقاً لأحكام هذا القانون جميع السُلطات والاختصاصات التنفيذية المُقرّرة للوزراء بمُقتضى القوانين واللوائح، ويكون المُحافظ في دائرة اختصاصه رئيساً لجميع الأجهزة والمرافق المحلية ................................................................. " .
وتنص المادة (18) من اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (707) لسنة 1979 على أن:" تُباشر المُحافظة في دائرة اختصاصها شئون النقل الآتية:
....................................................................................................................................
وبالنسبة للمُحافظات ذات المدينة الواحدة تتولى المُحافظة إنشاء وصيانة أنواع الطُرق والكباري والأنفاق ......... " .
ومن حيث إن مفاد النصوص المُتقدّمة:- أن الدستور ـ في إفصاح جهير ـ أعلى مبدأي السيادة للشّعب وأنه مصدر السُلطات، ويُمارس الشّعب السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية وذلك علي الوجه المُبيّن بالدستور، وأسّس الدستور النظام السياسي للدولة وأقامه علي مبادئ الديمقراطية والشورى والمُواطنة التي تُسوّي بين جميع المُواطنين في الحقوق والواجبات العامة، وأرسي مبدأ سيادة القانون كمظهر من مظاهر الدولة الحديثة وأساس الحُكم فيها، وأكّد علي احترام حقوق الإنسان وحُرّيّاته، وأوجب علي الدولة أن تكفل وسائل تحقيق العدل والمُساواة والحُرّيّة، وأن تلتزم بتيسير سُبُل التراحم والتكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المُجتمع، وأن تضمن حماية الأنفُس والأعراض والأموال وذلك في حدود القانون، وأن تلتزم بتوفير الأمن والطُمأنينة وتكافُؤ الفُرص لجميع المُواطنين بلا تمييز، وأكّد كذلك علي حُرمة وحماية الأموال العامة وجعلها واجب وطني علي الدولة والمُجتمع، وإعلاءً لدولة القانون وسمُوّها قرّر أن المُواطنين أمام القانون سواء وهم مُتساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك، وأن الحُرّيّة الشخصية من الحقوق الطبيعية المصونة التي لا يُمكن المساس بها، وفي سبيل قيام الدولة بواجباتها نحو من يُقيم علي أراضيها، سواء أكانوا مُواطنين يحملون جنسيتها أو أجانب، وتقديساً للحق في الأمن والأمان، جعل الحياة الآمنة حق تكفله الدولة لكل مُقيم علي أراضيها، علي أن يحمى القانون الإنسان ممُا يّهدّده من ظواهر إجرامية، كما جعل حُرّيّة التنقُّل والإقامة والهجرة من الحقوق الشخصية اللصيقة والمكفولة للمُواطنين، ومنحهم حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، غير حاملين سلاحاً، ويكون مُمارسة هذا الحق بُناءً علي إخطار يُنظّمه القانون، علي أن الحق في الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار، ويحظّر علي رجال الأمن حضورها أو التنصُّت عليها، وأخيراً قرّر الدستور أن الحقوق والحُرّيّات اللصيقة بشخص المُواطن لا يُمكن تعطيلها ولا الانتقاص منها ولا تقييدها بما يمسّ أصلها وجوهرها، وتكون مُمارستها بما لا يتعارض مع المُقوّمات الواردة في باب الدولة والمُجتمع بالدستور.
ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن المُشرع في القانون رقم (14) لسنــة 1923 الخاص بالاجتماعات العامة وبالمُظاهرات قرّر حُرّيّة الاجتماعات العامة على الوجه المُبيّن فيه، وأوجب على من يُريد تنظيم اجتماع عام إخطار الجهة الإدارية مُمثلة في المُحافظة أو المُديرية أو سُلطة البوليس في المركز إذا كان الاجتماع خارج مقرّهما وذلك قبل عقده بثلاثة أيام على الأقل، ويجب أن يشتمل الإخطار علي بيان الزمان والمكان المُحدّديَن للاجتماع وبيان موضوعه، وأجاز للمُحافظ أو المُدير أو لسُلطة البوليس في المراكز منع الاجتماع إذا كان من شأنه أن يترتب عليه اضطّراب في النظام أو الأمن العام، بسبب الغاية منه أو بسبب ظروف الزمان والمكان المُلابسة له أو بأي سبب خطير غير ذلك، وأعطي للبوليس حق حضور الاجتماع لحفظ النظام والأمن ولمنع كل انتهاك لحُرمة القانون، وأجاز له حلّ الاجتماع في حالات مُعيّنة؛ وهي إذا لم تُؤلف لجنة للاجتماع أو إذا لم تقم اللجنة بوظيفتها في المُحافظة على النظام ومنع كل خروج على القوانين، وإذا خرج الاجتماع عن الصفة المُعيّنة له في الإخطار، وإذا أُلقيت فيه خُطب أو حدث صياح أو أُنشدت أناشيد ممّا يتضمن الدعوة إلى الفتنة أو وقعت فيه أعمال أُخرى من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين، وإذا وقعت جرائم أُخرى أثناء الاجتماع، وإذا وقع اضطّراب شديد، وأعطاه الحق في تفريق كل احتشاد أو تجمهر من شأنه أن يجعل الأمن العام في خطر، وكذلك حقه في تأمين حركة المرور في الطُرق والميادين العامة، وخوّل وزير الداخلية إصدار قرار يتضمّن الأحكام التي يقتضيها تنفيذ هذا القانون .
ومن ناحيةٍ ثالثة، حظّر المُشرع في قانون إشغال الطرق العامة المُشار إليه علي إشغال الطُرق العامة أو الميادين في اتجاه أُفقي أو رأسي دون ترخيص من السُلطة المُختصة، وأجاز للأخيرة وفقاً لمُقتضيات التنظيم أو الأمن العام أو الصحة أو حركة المرور أو الآداب العامة أو جمال تنسيق المدينة إصدار قرار بإلغاء الترخيص أو بإنقاص مُدّته أو المساحة المّرخص في أشغالها، وإذا حدث إشغال بغير ترخيص جاز لها إزالته بالطريق الإداري على نفقة المُخالف .
وأخيراً، فإن قانون الإدارة المحلية آنف البيان قد وسد إلى المحُافظ المُختص سُلطة الإشراف على المرافق العامة ومنها الطُرق، وخوّله إزالة كل تعدّي يقع عليها دون سند من القانون، باعتباره مُمثّل الدولة في مُباشرة سُلطتها، والتي لا تقف عند حدّ إزالة ما قد يقع عليها من تعدّي، وإنّما تمتد إلى تنظيم استمتاع المُواطن بالشوارع والطُرق العامة وتجميلها على وجه يُحقّق المظهر الحضاري للدولة .
وقد أكّدت علي هذا المعني المحكمة الإدارية العُليا؛ حيث ذهبت إلي أن:(1)" حُرّيّة التنقُّل من مكان إلى آخر، ومن جهة إلى أُخرى وكذا السفر خارج البلاد مبدأ أصيل للمُواطن وحق دستوري مُقرّر له، لا يجوز المساس به دون مسوغ، ولا الانتقاص منه بغير مُقتضى، ولا تقييده إلا لصالح المُجتمع وحمايته وفى حدود التشريعات المُنظّمة لهذا الحق، إلا أنه من الأمور المُسلّمة أيضاً أنه بحُكم ما للدولة من سيادة على رعاياها؛ فإن لها مُراقبة سلوكهم سواء داخل البلاد أو خارجها للتثّبُت من التزامهم الطريق السويّ في مسلكهم، والتعرُّف على مدى إدراكهم لمسئولياتهم الوطنية، وما تفرضه عليهم من الأخذ بأسباب النهج القويم في تحرّكاتهم وتصرّفاتهم، وتجنُّب كل ما من شأنه أن يُسئ إلى سمعة الوطن أو كرامته أو يُؤثر بأي وجه في علاقة بالدول الأُخرى ـ أساس ذلك ـ تتمكّن سُلطات الاختصاص في الوقــت المُلائم من اتخاذ الإجراءات والاحتياطات الوقائية الكفيلة بمنع أي انحراف قد يُهدّد كيان البلاد وأمنها الداخلي أو الخارجي أو يضرّ بمصالحها السياسية أو يمسّ سُمعتها أو غير ذلك من الأسباب المُتّصلة برعاية الصالح العام " .
(2)" المُشرع في قانون الاجتماعات العامة رقم (14) لسنة 1923 أجاز للبوليس حلّ الاجتماع العام إذا أُلقيت فيه خطب أو حدث صياح أو أُنشدت أناشيد تدعو إلى الفتنة أو وقعت جرائم أثناء الاجتماع أو وقع اضطّراب شديد – يحقّ لوزارة الداخلية مُمثلة في أكبر مسئوليها المُكلّفين بحفظ الأمن في الاجتماع إصدار قرار بحلّ الاجتماع العام إذا تحقّقت حالة من الحالات التي تُجيز حلّه " .
[ يُراجع في ذلك حُكم المحكمة الإدارية العُليا في الطعن رقم 3639 لسنة 40 ق.عُليا بجلسة 22/3/1998، سنة المكتب الفني 43، الجُزء الثاني، الصفحة رقم 1043، القاعدة رقم 113، وكذلك حُكمها في الطعن رقم 3298 لسنة 34 ق.عُليا بجلسة 29/11/1998، سنة المكتب الفني 44، الصفحة رقم 171، القاعدة رقم 14 ]
وفي تفسير تلك النصوص ذهبت محكمة القضاء الإداري إلي أن:(1)" حق الشخص في التنقُّل من مكان إلى آخر ومن جهة إلى أخرى هو حق دستوري أصيل لا يجوز المساس به أو الانتقاص منه بغير مسوغ قانوني يقتضي ذلك، وأن المُواطنين أمام القانون سواء وهم مُتساوون في الحقوق والوجبات العامة " .
(2)" الدستور قد أعلى من شأن الحُرّيّات العامة، وأباح منها للمُواطنين حقّهم في عقد الاجتماعات العامة وتسيير المواكب، على أن يتمّ مُمارسة هذا الحق في إطار أحكام القوانين التي تقوم على تنظيمه، وعليه فإن تنظيم المسيرة الشعبية تُعدّ حقاً دستورياً عاماً مُقرّراً للمُواطنين يتصل اتصالاً وثيقاً بالحُرّيّات العامة " .
(3)" حق الاجتماعات العامة ليس منحة من الإدارة وإنّما هو حق أصيل للمُواطن، إلا أن مُمارسة هذا الحق شأنه شأن أي حق آخر يتقيّد بعدم الخروج على مُقتضيات النظام العام والآداب العامة، لذلك فإنه يتعيّن إقامة نوع من التوازن بين مُمارسة هذا الحق الأصيل للمُواطنين في الاجتماعات العامة وبين الحفاظ على النظام العام والسكينة العامة، بحيث لا يجب أن يُتزرع بالحفاظ على النظام العام للحدّ من مُمارسة حق الاجتماع أو الحجر على الحُرّيّات العامة، ومن ثم تغدو سُلطة جهة الإدارة في منع الاجتماعات العامة سُلطة استثنائية تخضع في مُمارستها لرقابة القضاء الإداري للتحقُّق من مدى مشروعيتها .
الاجتماعات العامة كأصل عام مُباحة ولا يجوز منعها إلا إذا كان من شأنها إحداث اضطّرابات في الأمن أو النظام بسبب يتعلّق بغاية الاجتماع أو ظروف زمان ومكان عقده، لمّا كان ذلك فإن إصدار جهة الإدارة قرارها بعدم المُوافقة على إقامة اجتماع عام احتفالاً ............. على أساس أن الميادين التي طُلب الاجتماع فيها تقع في أماكن شديدة الزحام، ويترتب عليه إعاقة الحركة وتوقف المرور، يكون مُخالفاً للقانون، حيث كان يتعيّن عليها أن تتخذ الإجراءات الأمنية وفقاً لما تتطلّبه ظروف الاحتفال، وفى ذلك ما يُوفّق بين مُمارسة حُرّيّة الاجتماع العام وبين الحفاظ على النظام العام والأمن العام " .
(4)" الدستور المصري قد أفرد الباب الرابع منه لمبدأ سيادة القانون، وما ورد به من أحكام تتكامل فيما بينها لتحقيق الغاية الدستورية المرجوّة؛ والمُتمثّلة في ضمان حقوق الأفراد وحُرّيّاتهم مع ترسيخ أُسُس الدولة القانونية التي تحتكم إلى المشروعية ومُمارسة السُلطة نيابة عن الشعب في ضوء مبدأ خضوع الدولة للقانون، والقاضي الإداري وهو بصدد إعمال ولايته بإنزال حُكم القانون على مشروعيه القرار الإداري يزنه ويُقدّره في إطار صحيح واقعه وحقيق ما بُني عليه من أركان، لا يغفل المُلابسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تُصاحب إصداره، بيد أن واقع الأمر يستوجب أن يكون النظر إلى هذه المُلابسات في إطار المشروعية وسيادة القانون الذي يقوم عليها نظام الحُكم، وواجب القاضي تقصّى صحة القرار وسلامته، فإن استظهر قضاؤه استقامته صحيحاً على عمد من المشروعية واحترام القانون انحاز له وأجازه وأعلاه على أُصُل صحيحة، وإن كان غير ذلك ألغاه وأزال آثاره، دون أن يتأثر ميزان العدل ببشاعة جريمة اُرتكبت أُنزل على مُرتكبها القصاص العادل أو بتطرف في الفكر نبذه وما زال كل المُجتمع وحاد عنه كثير ممّن اعتنقه لأسباب ترجع إلى مُعتنقي هذه الأفكار من ناحية، وإلى التطوّر السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي أضحى مُعظّماً للحوار بين الدولة وكل صاحب فكر، باعتباره سبيل الاستقرار الوحيد في غير حالات العُنف، لتصحيح أفكار من زلّت أقدامهم وشذّ فكرهم على وجه يُمثّل خروجاً على الطبيعة الذاتية للشعب المصري، والتي تستند إلى تُراث من التسامح بين أفراد المُجتمع، موئله الفهم الصحيح لوسطية الإسلام والحضارة المصرية التي أعلت من وحده الوطن وأمنه، وقد استقرّ في يقين المحكمة أن إعلاء مبدأ المشروعية يُمثّل الحل الحاسم والحُكم المُحدّد لحقوق الأفراد وواجباتهم، وأهم هذه الواجبات واجب المُحافظة على أمن الوطن واستقراره وهو أمر لا تقوم عليه سُلطات الدولة بمعزل عن أفراد الشعب، والمشروعية في ذات الوقت هي سيف القانون القاطع لمن يخرج على أحكام القانون والدستور ويزجّ بالوطن في أتون الإرهاب والضلال " .
(5)" الدستور قد أخضع الملكية بأنواعها (العامة والتعاونية والخاصة) لرقابة الشعب، وكفل الدستور حمايتها وصونها، ووسد إلى المُشرع تنظيمها على وجه يُمكّنها من أداء وظيفتها الاجتماعية، وقد اعتلت الملكية العامة أعلى مدارج الحماية فجعل لها بين أنواع الملكية الأخرى حُرمة وفرض حمايتها ودعمها واجباً على كل مُواطن في إطار أحكام القوانين المُنظّمة لها، وقد حدّد المُشرع المال العام بأنه كل مال مملوك للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة يكون مُخصص لمنفعة عامة بالفعل أو بمُقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المُختص، وأنه لا خلاف على أن سيطرة الدولة بأجهزتها المُختلفة على المال العام يُمثّل وجهاً من وجوه مُمارستها للسيادة، ويُمثّل سلبها هذا الحق أو تراخيها في القيام به مظهراً من مظاهر الخروج على أحكام القانون ونيلاً من حقوق المُواطنين الذين يُرخّص لهم باستعماله واستغلاله في إطار القوانين واللوائح المُنظمة لهذا الاستعمال، وبما لا يفقده عمومية الاستخدام إلا لضرورة تُقدّرها الدولة، والقول بغير ذلك يُمثّل إخلالاً بالحماية المُتكافئة التي كفلها الدستور للحقوق، والمُغايرة المشروعة كما سلف ذكره لا تكون إلا في حالة الأوضاع والمراكز والأشخاص التي لا تتخذ واقعاً ملموساً فيما بينها، فإن تماثلت المراكز القانونية للنفع بالمال العام استوي الكافة في حق الانتفاع به احتراماً لمبدأ المُساواة بين المُواطنين الذي يتنافى معه استئثار فرد أو جهة أو جماعة بحق على المال العام دون سند من القانون .
وحيث إن استعمال الكافّة للطُرق العامة يُمثّل مظهراً من مظاهر المُساواة بين المُواطنين، ومُمارسة لحق من حقوق الإنسان في التنقُّل والمرور المُيّسّر إلى ما يبتغيه من أمكنة لتحقيق مآربه وأداء عمله، وأنه لا يحول بينه وبين مُمارسة هذا الحق إلا تنظيم تقوم به الجهة القائمة على أمر الطُرق لاعتبارات تتعلّق بالأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، ودون أن تكون مُمارستها لهذا الاختصاص حُرّة طليقة من أي قيد، خاضعة للرقابة القضائية حماية لحقوق الأفراد وحُرّيّاتهم من ناحية، وتمكيناً للدولة بأجهزتها في مُمارسة دورها استهدافاً للمصلحة العامة من ناحية أُخرى .
قانون الإدارة المحلية قد وسد إلى المُحافظ المُختص الإشراف على المرافق العامة ومنها الطُرق، وخوّله إزالة كل تعدّي يقع عليها دون سند من القانون، باعتباره مُمثّل الدولة في مُباشرة سُلطتها والتي لا تقف عند حدّ إزالة ما قد يقع عليها من تعدّي، وإنّما تمتد إلى تنظيم استمتاع المُواطن بالشوارع والطُرق العامة وتجميلها على وجه يُحقّق المظهر الحضاري للدولة، وقد حظّرت أحكام قانون الطُرق أي إشغال للطُرق العامة إلا بترخيص حدّد القانون شروطه وحالاته، وهذا الحظر يمتد إلى كل مُمارسة غير مشروعة من لدُن أي فرد أو جماعة أو شركة تمنع المُواطنين من الانتفاع بالطريق دون سند من القانون، وأن كفّ يد الدولة عن مكان ما لمصلحة جهة ما دون سند؛ مظهر من مظاهر التخلّي عن سيادة الدولة وسيطرتها على هذا الجُزء من الإقليم، وهو أمر تُجبر السُلطة المُختصة قضاءً بالقيام به تنفيذاً لالتزامها الدستوري بالمُحافظة على الأملاك العامة لمصلحة المُواطنين جميعاً " .
[ يُراجع في ذلك ـ حسب الترتيب المُتقدّم ـ حُكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 5886 لسنة 56 ق بجلسة 25/3/2003، وحُكمها في الدعوى رقم 7741 لسنة 57 ق بجلسة 4/2/2003، وحُكمها في الدعوى رقم 7825 لسنة 45 ق بجلسة 13/7/2004 "المكتب الفني 2005/2006ـ الحُرّيّات العامة والأحزاب وحقوق الإنسان- الدائرة الأولى"، وحُكمها في الدعوى رقم 31724 لسنة 57 ق بجلسة 18/5/2004، وأخيراً حُكمها في الدعوى رقم 100 لسنة 50 ق بجلسة 9/1/2007 ـ المكتب الفني 2006/2007 ]
ومن حيث إنه تطبيقاً لما تقدّم، ولمّا كان الثابت أنه نتيجة لما تشهده البلاد من بعض الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات للاعتراض علي بعض الأوضاع السياسية الراهنة بالبلاد، وعلي بعض القرارات الصادرة عن جهة الإدارة ونظام الحُكم، تمّ الدعوة من بعض القوى السياسية لمُظاهرات مليونية بميدان التحرير، وهو أمر شائع حدوثه في الفترة الأخيرة، وقام بعض المُواطنين بالاعتصام بميدان التحرير والسيطرة عليه وغلق مداخله أمام عبور السيارات والمارّة.
ومن حيث إن الدستور قد أعلى من شأن الحُرّيّات العامة، وأكّد علي احترامها، وأباح منها للمُواطنين حقُّهم في التعبير السلمي عن آرائهم وفي التظاهر وتنظيم المسيرات الشعبية وعقد الاجتماعات العامة وتسيير المواكب، بحسبان أن هذه الحقوق تُمثّل نافذة للمُواطنين عن آرائهم يطرحون فيه آمالهم مُعبّرين في شكل من الأشكال التفكير الاجتماعي عن مواقفهم وتوجُهّاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولا ريب في أن حُرّيّات المُواطنين في ذلك تُعدّ حقاً دستورياً عاماً ويتصل اتصالاً وثيقاً بالحُرّيّات العامة، إلا أن مُمارسة تلك الحقوق يجب أن يكون في إطار أحكام القوانين المُنظّمة لها والتي تستهدف تمكين المُواطنين من مُباشرة حقوقهم العامة دون حظر لها، ما دام لم يتمّ الخروج على مُقتضيات النظام العام والآداب العامة والسكينة العامة، ولم يكن هناك انتهاك لحُرمة القانون، أو كان من شأنها إحداث اضطّرابات في الأمن أو النظام أو الصحة أو إعاقة الحركة وتوقف المرور، أو النيل من حقوق وحُرّيّات الآخرين، وذلك إعلاءً لمبدأ سيادة القانون (خضوع الدولة والأفراد للقانون) وسمُوّه، وتقديساً لمبدأ المُواطنة الذي يُسوّي بين جميع المُواطنين في الحقوق والواجبات العامة .
ومن حيث إن اعتصام بعض المُواطنين بميدان التحرير والسيطرة عليه وغلق مداخله أدّي إلي غلق المنافذ والشوارع والطُرقات بهذا الجُزء الحيوي من مُحافظة القاهرة والتي تُمثّل مخرجاً أو مدخلاً حسب مُقتضيات المرور, كما أدّي إلي منع عبور السيارات والمارّة من خلالها، وحال دون استخدامها في الغرض الذي خُصّصت من أجله, باعتبارها مُخصّصة للمنفعة العامة ولخدمة كافة المُواطنين، وإلي تكدُّس وزحام شديدين نتيجة التحويلات المرورية في ميدان التحرير والمناطق المُحيطة به، وما يُعانيه المُواطنون من جهد جهيد مُتمثّل في صعوبة السير والزّحام الشديد وعدم القدرة علي مُمارسة الحق في التنقُّل ـ والذي هو من أولي أولويات الدستور ـ والمرور المُيّسّر إلى ما يبتغونه من أمكنة لتحقيق مآربهم وأداء أعمالهم، وعدم قدرتهم علي الوصول للجهات والمصالح الحكومية الحيوية بالبلاد وانجاز الأعمال المرجوّة إلا بعناء شديد، وأيضاً عدم القدرة علي الوصول للعمارات السكنية والمدارس والجامعات والمحلات التُجارية التي يتعامل معها عدد كبير من أفراد الشعب، ممّا يُؤثر سلباً علي حقوق المُواطنين ويشلّ حركة الحياة في تلك المنطقة, وهذا المسلك من جانب المُواطنين المُعتصمين بميدان التحرير يُخالف أحكام الدستور والقانون؛ ويغلّ يد الدولة عن هذا المكان ويكفّ سيادتها وسيطرتها عليه، وهو أمر تُجبر الجهة الإدارية قضاءً علي القيام به تنفيذاً لالتزامها الدستوري بالمُحافظة على الأملاك العامة والطُرق والميادين العامة لمصلحة جميع المُواطنين .
ولا ينال من ذلك القول بأن إخلاء ميدان التحرير من المُعتصمين وفضّ الاعتصام به يُمثّل اعتداءً علي الحق في التظاهر وعقد الاجتماعات العامة في الطُرق والميادين العمومية بالمُخالفة للدستور والقانون:- (( ذلك مردودٌ عليه بأن تكون مُمارسة هذه الحقوق في ضوء مبدأ خضوع الدولة والأفراد للقانون، وبما لا يتعارض مع ترسيخ أُسُس الدولة القانونية التي تحتكم إلى المشروعية التي هي سيف القانون القاطع لمن يخرج على أحكام القانون والدستور ويزجّ بالوطن في أتون تغليب المصالح الخاصة علي المصلحة العُليا للدولة والشعب صاحب السيادة، وبأن تكون مُمارستها في إطار أحكام القوانين التي تقوم على تنظيمها، وأن تتقيّد بعدم الخروج على مُقتضيات النظام العام والآداب العامة والسكينة العامة، أو النيل من حقوق وحُرّيّات الآخرين في استخدام هذه الأماكن والشوارع والطُرق والميادين العامة؛وهى من المرافق العامة، فيما خُصّصت من أجله، وبما يُيّسّر للمُواطنين ـ سواء القاطنين منهم أو المارّين أو الذين لهم مصلحة أو تجارة أو مصدر رزق ـ المشي في مناكبها والانتفاع بها لمُمارسة شئون حياتهم وحقُّهم في التنقّل )) .
وجماعاً لما تقدّم، فإن امتناع الجهة الإدارية عن إخلاء ميدان التحرير من المُعتصمين وفضّ الاعتصام به وفتحه لمرور السيارات والمارّة، يُشّكّل قراراً سلبياً بالمُخالفة للدستور والقانون، وتضحي الدعوى المطروحة لإلغائه قائمة علي سند صحيح من الواقع والقانون، ممّا يستوجب التقرير للقضاء بإلغائه وما يترتب علي ذلك من آثار أهمّها اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع غلقه مُجدّداً وتعطيل السير فيه مُستقبلاً .
 وختاماً؛ نودّ أن ننوّه من جانبنا للتوازن بين حق الدولة في حفظ وحماية النظام العام بمدلولاته الثلاثة من أمن عام وسكينة عامة وصحة عامة، وواجبها في المُساواة بين جميع المُواطنين في الحقوق والواجبات العامة، وحق المُواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم والتظاهر وعقد الاجتماعات العامة في الطُرق والميادين العمومية، فإن هيئة مُفوّضي الدولة توصي بما يلي:-
لمّا كانت مصر قد استوت على قمّة العالمين العربي والإسلامي، ليس فقط بكثافة سُكانها وموقعها المُتميّز، وإنّما بحضارة تليدة وموروث ثقافة جعلت منها في ثورات العرب وحروبهم وانتصاراتهم الدولة القائدة، وفى ميدان السلام والتعاون العربي بين دول العالم الدولة الرائدة، وبالتالي فإن تعبير شعبها عن آرائه في الأمور السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، لهو من أهمّ مظاهر حضارتها علي مدار تاريخها القديم والحديث، غاية الأمر ولزومه التزاماً قانونياً يقع على عاتق المُعبّرين عن آرائهم يتمثّل في التمسّك بوجه حضاري يُعبّر عن أصالة هذا الشعب العظيم ودورة التاريخي، دون أن ينال ذلك من حماية حقوق الأفراد وحُرّيّاتهم من ناحية، وتمكيناً للدولة بأجهزتها في مُمارسة دورها استهدافاً للمصلحة العامة من ناحية أُخرى، ومن ثمّ فإننا نُوصي السُلطة القائمة بأعمال التشريع إصدار قانون لتنظيم حق التظاهُر والاجتماعات العامة استكمالاً للبُنية القانونية للدولة، وبما لا يخلّ بالحقوق والحُرّيّات المنصوص عليها بالدستور، مع التأكيد علي ضمان حق الدولة بأن تضرب بيد من حديد على كل العابثين بمُقدّرات وأمن البلاد وتعويق مسيرته والإخلال بأمنه وهدم اقتصاده القومي، باعتبار أن ذلك يُعدّ من المظاهر الأساسية للدولة الحديثة، ولمُواكبة تقدُّم المُجتمع وتطوّرات أحداثه، وإعلاءً لمبدأ سيادة القانون ومبدأ المشروعية .
ومن حيث إن من أصابه الخسر في الدعوى يتحمل مصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) من قانون المُرافعات المدنية والتُجارية .
فلهــــــــذه الأسبـــــــــــــــــاب
نــرى الحكـــــم:-
• أصلياً:- بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم تقديم أو إثبات سند الوكالة، وإلزام رافعها المصروفات .
• واحتياطياً:- بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار الجهة الإدارية السلبي بالامتناع عن إخلاء ميدان التحرير من المُعتصمين وفضّ الاعتصام به وفتحه لمرور السيارات والمارّة، وما يترتب علي ذلك من آثار أهمّها اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع غلقه مُجدّداً وتعطيل السير فيه مُستقبلاً، علي النحو المُبيّن بالأسباب، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات .
المُقرر مفوض الدولة
مستشار مساعد "ب" / أحمد نجدي إسماعيل سليمان المستشار / تامر يوسف طه عامر
عضو مجلس الدولة نائب رئيس مجلس الدولة
جُمادى الآخر 1434 هـ / أبريل 2013 م ورئيس الدائرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق